فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولما قرر سبحانه الأصل الدال على التوحيد وإثبات العدل والحرمة بالبعث للفصل. وكانوا يقولون: إنهم أعقل الناس. وكان العاقل لا يأمن غوائل الإنذار إلا أن أعد لها ما يتحقق دفعه لها وكان لا يقدر على دفع المتوعد إلا من يساويه أو يزيد عليه بشركة أو غيرها. وكانوا يدعون في أصنامهم أنها شركاء. بنى على ذلك الأصل تفاريعه. وبدأ بإبطال متمسكهم فقال سبحانه وتعالى امرًا له- صلى الله عليه وسلم- بأن ينبههم على سفههم بأنهم أعرضوا عما قد يضرهم من غير احتراز منه دالًا على عدم إلهية ما دعوه الهة بعدم الدليل على إلهيتها من عقل أونقل. لأن منصب الإلهية لا يمكن أن يثبت و له من الشرف ما هو معلوم بغير دليل قاطع: {قل} أي لهؤلاء المعرضين أنفسهم لغاية الخطر منكرًا عليهم تبكيتًا وتوبيخًا: {أرءيتم} أي أخبروني بعد تأمل ورؤية باطنة {ما تدعون} أي دعاء عبادة. ونبه على سفو لهم بقوله تعالى: {من دون الله} أي الملك الأعظم الذي كل شيء دونه. فلا كفوء له.
ولما كان من المعلوم أن الاستفهام عن رؤية ما مشاهدتهم له معلومة لا يصح إلى بتأويل أنه عن بعض الأحوال. وكان التقدير: أهم شركاء في الأرض. استأنف قوله: {أروني ما} وأكد الكلام بقوله سبحانه وتعالى: {ماذا خلقوا} أي اخترعوه {من الأرض} ليصح ادعاء أنهم شركاء فيها باختراع ذلك الجزء.
ولما كان معنى الكلام وترجمته: أروني أهم شركاء في الأرض؟ عادله بقوله: {أم لهم} أي الذين تدعونهم {شرك في السماوات} أي نوع من أنواع الشركة: تدبير- كما يقول أهل الطبائع. أوخلق أو غيره. أروني ذلك الذي خلقوه منها ليصح ادعاؤكم فيهم واعتمادكم عليهم بسببه.
فالآية من الاحتباك: ذكر الخلق أولا دليلًا على حذفه ثانيًا. والشركة ثانيةً دليلًا على حذفها أولا.
ولما كان الدليل أحد شيئين: سمع وعقل. قال تعالى: {ائتوني} أي حجة على دعواكم في هذه الأصنام أنها خلقت شيئًا. أوأنها تستحق أن تعبد {بكتاب} أي واحد يصح التمسك به. لا أكلفكم إلى الإتيان بأكثر من كتاب واحد.
ولما كانت الكتب متعددة ولم يكن كتاب قبل القرآن عامًا لجميع ما سلف من الزمان. أدخل الجار فقال تعالى: {من قبل هذا} أي الذي نزل عليّ كالتوراة والأنجيل والزبور. وهذا من أعلام النبوة فإنها كلها شاهدة بالوحدانية. لوأتى بها آت لشهدت عليه.
ولما ذكر الأعلى الذي لا يجب التكليف إلا به. وهو النقل القاطع. سهل عليهم فنزل إلى ما دونه الذي منه العقل. وأقنع منه ببقية واحدة ولوكانت أثرًا لا عينًا فقال: {أو أثارة} أي بقية رسم صالح للاحتجاج. قال ابن برجان: وهي البقية من أثر كل شيء يرى بعد ذهابه وحال رؤيته بأثرها خلف عن سلف يتحدثون بها في آثارهم. قال البغوي: وأصل الكلمة من الأثر وهو الرواية.
{من علم} أي قطعي بضرورة أوتجربة أو مشاهدة أو غيره ولوظنًا يدل على ما ادعيتم فيهم من الشركة.
ولما كان لهم من النفرة من الكذب واستشناعه واستبشاعه واستفظاظه ما ليس لأمة من الأمم. أشار إلى تقريعهم بالكذب إن لم يقيموا دليلًا على دعواهم بقوله تعالى: {إن كنتم} أي بما هولكم كالجبلة {صادقين} أي عريقين في الصدق على ما تدعون لأنفسكم.
ولما أبطل سبحانه وتعالى قولهم في الأصنام بعدم قدرتها على إتيان شيء من ذلك لأنها من جملة مخلوقات في الأصل. أتبعه إبطاله بعدم علمها ليعلم قطعًا أنهم أضل الناس حيث ارتبطوا في أجل الأشيئاء- وهو أصو ل الدين- بما لا دليل عليه أصلًا. فقال تعالى منكرًا أن يكون أحد أضل منهم. عاطفًا على ما هدى السياق حتمًا إلى تقديره وهو: فمن أضل ممن يدعي شيئًا من الأشيئاء وإن قل بلا دليل: {ومن أضل ممن} يدعي أعظم الأشيئاء بغير دليل ما عقلي ولا نقلي. فهو {يدعوا} ما لا قدرة له ولا علم. وما انتفت قدرته وعلمه لم تصح عبادته ببديهة العقل. وأرشد إلى سفو لها بقوله تعالى: {من دون الله} أي من أدنى رتبة من رتب الذي له جميع صفات الجلال والجمال والكمال. فهو سبحانه يعلم كل شيء ويقدر على كل شيء بحيث يجيب الدعاء ويكشف البلاء ويحقق الرجاء إذا شاء. ويدبر عبده لما يعلم من سره وعلنه بما لا يقدر هو على تدبير نفسه به. ويريد العبد في كثير من الأشيئاء ما لو وكل العبد فيه إلى نفسه وأجيب إلى طلبته كان فيه حتفه. فيدبره سبحانه بما تشتد كراهيته له فيكشف الحال عن أنه لم يكن له فرج إلا فيه {من لا يستجيب له} أي لا يوجد الإجابة ولا يطلب إيجادها من الأصنام وغيرها لأنه لا أهلية له لذلك.
ولما كان أقل الاستجابة مطلق الكلام. وكانوا في الآخرة يكلمونهم في الجملة وإن كان بما يضرهم. غيى هذا النفي بوقت لا ينفع فيه استجابة أصلًا ولا يغني أحد عن أحد أبدًا فقال تعالى: {إلى يوم القيامة} أي الذي صرفنا لهم من أدلته ما هو أوضح من الشمس ولا يزيدهم لك إلا إنكارًا وركونًا إلى ما لا دليل عليه أصلًا وهم يدعون الهداية ويعيبون أشد عيب الغواية.
ولما كان من لا يستجيب قد يكون له علم بطاعة الإنسان له ترجى معه إجابته يومًا ما. نفى ذلك بقوله زيادة في عيبهم في دعاء ما لا رجاء في نفعه: {وهم عن دعائهم} أي دعاء المشركين إياهم {غافلون} أي لهم هذا الوصف ثابت لا ينفكون عنه. لا يعلمون من يدعوهم ولا من لا يدعوهم. وعبر بالغفلة التي هي من أوصاف العقلاء للجماد تغليبًا إن كان المراد أعم من الأصنام وغيرها ممن عبدوه من عقلاء الإنس والجن وغيرهم واتصافًا إن كان المراد الأصنام خاصة. أوتهكمًا كأنه قيل: هم علماء فإنكم أجل مقامًا من أن تعبدوا ما لا يعقل. وإنما عدم استجابتهم لكم دائمًا غفلة دائمة كما تقول لمن كتب كتابًا كله فاسد: أنت عالم لكنك كنت ناعسًا- ونحوهذا.
ولما غيى سبحانه بيوم القيامة فأفهم أنهم يستجيبون لهم فيه. بين ما يحأو رونهم به إذ ذاك فقال: {وإذا حشر} أي جمع بكره على أيسر وجه وأسهل أمر {الناس} أي كل من يصح منه الّنوس- أي التحرك- يوم القيامة {كانوا} أي المدعو ون {لهم} أي للداعين {أعداء} ويعطيهم الله قوة الكلام فيخاطبونهم بكل ما يخاطب به العدوعدوه {وكانوا} أي المعبودون {بعبادتهم} أي الداعين. وهم المشركون- إياهم {كافرين} لأنهم كانوا عنها غافلين كما قال سبحانه وتعالى في سورة يونس عليه الصلاة والسلام {وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون} [يونس: 28]. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

واعلم أنه تعالى لما قرر هذا الأصل الدال على إثبات الإله. وعلى إثبات كونه عادلًا رحيمًا. وعلى إثبات البعث والقيامة بنى عليه التفاريع.
فالفرع الأول: الرد على عبدة الأصنام فقال: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله} وهي الأصنام {أَرُونِىَ} أي أخبروني {مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأرض أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ في السموات} والمراد أن هذه الأصنام. هل يعقل أن يضاف إليها خلق جزء من أجزاء هذا العالم؟ فإن لم يصح ذلك فهل يجوز أن يقال إنها أعانت إله العالم في خلق جزء من أجزاء هذا العالم. ولما كان صريح العقل حاكمًا بأنه لا يجوز إسناد خلق جزء من أجزاء هذا العالم إليها. وإن كان ذلك الجزء أقل الأجزاء. ولا يجوز أيضًا إسناد الإعانة إليها في أقل الأفعال وأذلها. فحينئذ صح أن الخالق الحقيقي لهذا العالم هو الله سبحانه. وأن المنعم الحقيقي بجميع أقسام النعم هو الله سبحانه. والعبادة عبارة عن الإتيان بأكمل وجوه التعظيم. وذلك لا يليق إلا بمن صدر عنه أكمل وجوه الأنعام. فلما كان الخالق الحق والمنعم الحقيقي هو الله سبحانه وتعالى. وجب أن لا يجوز الإتيان بالعبادة والعبودية إلا له ولاجله. بقي أن يقال إنا لا نعبدها لأنها تستحق هذه العبادة. بل إنما نعبدها لأجل أن الإله الخالق المنعم أمرنا بعبادتها. فعند هذا ذكر الله تعالى ما يجري مجرى الجواب عن هذا السؤال. فقال: {ائتوني بكتاب مّن قَبْلِ هذا أو أثارة مّنْ عِلْمٍ} وتقرير هذا الجواب أن ورود هذا الأمر لا سبيل إلى معرفته إلا بالوحي والرسالة. فنقول هذا الوحي الدال على الأمر بعبادة هذه الأوثان. إما أن يكون على محمد أو في سائر الكتب الإلهية المنزلة على سائر الأنبياء. وإن لم يوجد ذلك في الكتب الإلهية لكنه من تقابل العلوم المنقولة عنهم والكل باطل. أما إثبات ذلك بالوحي إلى محمد صلى الله عليه وسلم فهو معلوم البطلان. وأما إثباته بسبب اشتمال الكتب الإلهية المنزلة على الأنبياء المتقدمين عليه. فهو أيضًا باطل. لأنه علم بالتواتر الضروري إطباق جميع الكتب الإلهية على المنع من عبادة الأصنام. وهذا هو المراد من قوله تعالى: {ائتوني بكتاب مّن قَبْلِ هذا}. وأما إثبات ذلك بالعلوم المنقولة عن الأنبياء سوى ما جاء في الكتب فهذا أيضًا باطل. لأن العلم الضروري حاصل بأن أحدًا من الأنبياء ما دعا إلى عبادة الأصنام. وهذا هو المراد من قوله: {أو أثارة مّنْ عِلْمٍ} ولما بطل الكل ثبت أن الاشتغال بعبادة الأصنام عمل باطل وقول فاسد وبقي في قوله تعالى: {أو أثارة مّنْ عِلْمٍ} نوعان من البحث.
النوع الأول: البحث اللغوي قال أبو عبيدة والفراء والزجاج {أثارة مّنْ عِلْمٍ} أي بقية وقال المبرد {أثارة} ما يؤثر من علم أي بقية. وقال المبرد {أثارة} تؤثر {مِنْ عِلْمٍ} كقولك هذا الحديث يؤثر عن فلان. ومن هذا المعنى سميت الأخبار بالآثار يقال جاء في الأثر كذا وكذا. قال الواحدي: وكلام أهل اللغة في تفسير هذا الحرف يدور على ثلاثة أقوال: الأول: البقية واشتقاقها من أثرت الشيء أثيره إثارة كأنها بقية تستخرج فتثار الثاني: من الأثر الذي هو الرواية والثالث: هو الأثر بمعنى العلامة. قال صاحب (الكشاف) وقرئ {أثارة} أي من شيء أوثرتم به وخصصتم من علم لا إحاطة به لغيركم وقرئ {أثارة} بالحركات الثلاث مع سكون الثاء فالإثرة بالكسر بمعنى الأثر. وأما الإثر فالمرأة من مصدر أثر الحديث إذا رواه. وأما الأثرة بالضم فاسم ما يؤثر كالخطبة اسم لما يخطب به. وهاهنا قول آخر في تفسير قوله تعالى: {أو أثارة مّنْ عِلْمٍ} وهو ما روي عن ابن عباس أنه قال: {أو أثارة مّنْ عِلْمٍ} هو علم الخط الذي يخط في الرمل والعرب كانوا يخطونه وهو علم مشهور. وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه خطه علم علمه» وعلى هذا الوجه فمعنى الآية ائتوني بعلم من قبل هذا الخط الذي تخطونه في الرمل يدل على صحة مذهبكم في عبادة الأصنام. فإن صح تفسير الآية بهذا الوجه كان ذلك من باب التهكم بهم وبأقوالهم ودلائلهم والله تعالى أعلم.
{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُومِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5)}.
اعلم أنه تعالى بيّن فيما سبق أن القول بعبادة الأصنام قول باطل. من حيث إنها لا قدرة لها ألبتة على الخلق والفعل والآيجاد والإعدام والنفع والضر. فأردفه بدليل آخر يدل على بطلأن ذلك المذهب. وهي أنها جمادات فلا تسمع دعاء الداعين. ولا تعم حاجات المحتاجين. وبالجملة فالدليل الأول كان إشارة إلى نفي العلم من كل الوجوه. وإذا انتفى العلم والقدرة من كل الوجوه لم تبق عبادة معلومة ببديهة العقل فقوله: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُواْ مِن دُونِ الله} استفهام على سبيل الأنكار والمعنى أنه لا أمرًا أبعد عن الحق. وأقرب إلى الجهل ممن يدعوا من دون الله الأصنام. فيتخذها الهة ويعبدها وهي إذا دعيت لا تسمع. ولا تصح منها الإجابة لا في الحال ولا بعد ذلك اليوم إلى يوم القيامة. وإنما جعل ذلك غاية لأن يوم القيامة قد قيل إنه تعالى يحييها وتقع بينها وبين من يعبدها مخاطبة فلذلك جعله تعالى حدًا. وإذا قامت القيامة وحشر الناس فهذه الأصنام تعادي هؤلاء العابدين. واختلفوا فيه فالأكثرون على أنه تعالى يحيي هذه الأصنام يوم القيامة وهي تظهر عداوة هؤلاء العابدين وتتبرأ منهم. وقال بعضهم بل المراد عبدة الملائكة وعيسى فإنهم في يوم القيامة يظهرون عداوة هؤلاء العابدين فإن قيل ما المراد بقوله تعالى: {وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غافلون} وكيف يعقل وصف الأصنام وهي جمادات بالغفلة؟ وأيضًا كيف جاز وصف الأصنام بما لا يليق إلا بالعقلاء؟ وهي لفظة من وقوله: {هُمْ غافلون} قلنا إنهم لما عبدوها ونزلوها منزلة من يضر وينفع صح أن يقال فيها إنها بمنزلة الغافل الذي لا يسمع ولا يجيب.
وهذا هو الجواب أيضًا عن قوله إن لفظة من و لفظة {هُمْ} كيف يليق بها. وأيضًا يجوز أن يريد كل معبود من دون الله من الملائكة وعيسى وعزير والأصنام إلا أنه غلب غير الأوثان على الأوثان. اهـ.

.قال الألوسي:

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ}.
{قُلْ} توبيخًا لهم وتبكيتًا {أَرَءيْتُمْ} أخبروني وقرئ {أَرَأَيْتُكُم} {مَا تَدَّعُونَ} ما تعبدون {مِن دُونِ الله} من الأصنام أوجميع المعبودات الباطلة و لعله الأظهر. والموصول مفعول أول لأرأيتم وقوله تعالى: {أَرُونِىَ} تأكيد له فإنه بمعنى أخبروني أيضًا. وقوله تعالى: {مَاذَا خَلَقُواْ} جوز فيه أن تكون {مَا} اسم استفهام مفعولا مقدمًا لخلقوا و{ذَا} زائدة وأن تكون {مَاذَا} اسمًا واحدًا مفعولا مقدمًا أي أي شيء خلقوا وأن تكون اسم استفهام مبتدأ أو خبرا مقدمًا و{ذَا} اسم موصول خبرًا أو مبتدأ مؤخرًا وجملة {خَلَقُواْ} صلة الموصول أي ما الذي خلقوه. وعلى الأولين جملة {خَلَقُواْ} مفعول ثان لأرأيتم وعلى ما بعدهما جملة {مَاذَا خَلَقُواْ} وجوز أن يكون الكلام من باب الأعمال وقد أعمل الثاني وحذف مفعول الأول واختاره أبو حيان. وقيل: يحتمل أن يكون {أَرُونِىَ} بدل اشتمال من {أَرَءيْتُمْ} وقال ابن عطية: يحتمل {أَرَءيْتُمْ} وجهين:
كونها متعدية و{مَا} مفعولا لها.
وكونها منبهة لا تتعدى و{مَا} استفهامية على معنى التوبيخ. وهذا الثاني قاله الأخفش في {أَرَأَيْتَ إِذْ أوينا إِلَى الصخرة} [الكهف: 63].
وقوله تعالى: {مّنَ الأرض} تفسير للمبهم في {مَاذَا خَلَقُواْ} قيل: والظاهر أن المراد من أجزاء الأرض وبقعها. وجوز أن يكون المراد ما على وجهها من حيوان وغيره بتقدير مضاف يؤدي ذلك. ويجوز أن يراد بالأرض السفليات مطلقًا و لعله أولى {أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ} أي شركة مع الله سبحانه {فِي السموات} أي في خلقها. و لعل الأولى فيها أيضًا أن تفسر بالعلويات.
و{أَمْ} جوز أن تكون منقطعة وأن تكون متصلة. والمراد نفي استحقاق الهتهم للمعبودية على أتم وجه. فقد نفى أولا: مدخليتها في خلق شيء من أجزاء العالم السفلي حقيقة واستقلالًا. وثانيًا: مدخليتها على سبيل الشركة في خلق شيء من أجزاء العالم العلوي. ومن المعلوم أن نفي ذلك يستلزم نفي استحقاق المعبودية؛ وتخصيص الشركة في (النظم الجليل) بقوله سبحانه: {فِي السموات} مع أنه لا شركة فيها وفي الأرض أيضًا لأن القصد إلزامهم بما هو مسلم لهم ظاهر لكل أحد والشركة في الحوادث السفلية ليست كذلك لتملكهم وإيجادهم لبعضها بحسب الصورة الظاهرة.
وقيل: الأظهر أن تجعل الآية من حذف معادل {أَمْ} المتصلة لوجود دليله والتقدير الهم شرك في الأرض أم لهم شرك في السموات وهو كما ترى. وقوله تعالى: {ائتونى بكتاب} إلى آخِره تبكيت لهم بتعجيزهم عن الإتيان بسند نقلي بعد تبكيتهم بالتعجيز عن الإتيان بسند عقلي فهو من جملة القول أي ائتوني بكتاب الهي كائن {مّن قَبْلِ هذا} الكتاب أي القرآن الناطق بالتوحيد وإبطال الشرك دال على صحة دينكم {أو أثارة مّنْ عِلْمٍ} أي بقية من علم بقيت عليكم من علوم الأولين شاهدة باستحقاقهم العبادة. فالآثارة مصدر كالضلالة بمعنى البقية من قولهم: سمنت الناقة على أثارة من لحم أي بقية منه.
وقال القرطبي: هي بمعنى الإسناد والرواية. ومنه قول الأعشى:
إن الذي فيه تماريتما ** بين للسامع والاثِر

وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن.
وقتادة: المعنى أوخاصة من علم فاشتقاقها من الأثرة فكأنها قد اثر الله تعالى بها من هي عنده. وقيل: هي العلامة.